سورة الحج - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{والذين هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ الله} خرجوا من أوطانهم مجاهدين {ثُمَّ قُتِلُواْ} شامي {أَوْ مَاتُواْ} حتف أنفهم {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً} قيل: الرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} لأنه المخترع للخلق بلا مثال، المتكفل للرزق بلا ملال {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً} بفتح الميم مدني والمراد الجنة {يَرْضَوْنَهُ} لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بأحوال من قضى نحبه مجاهداً، وآمال من مات وهو ينتظر معاهداً {حَلِيمٌ} بإمهال من قاتلهم معانداً. رُوي أن طوائف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله: هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله هاتين الآيتين.
{ذلك} أي الأمر ذلك وما بعده مستأنف {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} سمي الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله} أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله أن ينصره {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} يمحو آثار الذنوب {غَفُورٌ} يستر أنواع العيوب. وتقرير الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند الله على العفو وترك العقوبة بقوله {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: 40] {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237] فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في الكرة الثانية إذا ترك العفو وانتقم من الباغي، وعرف مع ذلك بما كان أولى به من العفو بذكر هاتين الصفتين، أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل (العفو عند القدرة).


{ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ اليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار فِى اليل وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء، ومن آيات قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا، أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والإنصاف، وأنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن سمع وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات، بصير بما يفعلون ولا يستر عنه شيء بشيء في الليالي وإن توالت الظلمات. {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} عراقي غير أبي بكر {مِن دُونِهِ هُوَ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلي الكبير} أي ذلك الوصف بخلقه الليل والنهار وإحاطته بما يجري فيهما وإدراكه قولهم وفعلهم بسبب أن الله الحق الثابت إلاهيته وأن كل ما يدعى إلهاً دونه باطل الدعوة وأنه لا شيء أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} مطراً {فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} بالنبات بعدما كانت مسودة يابسة وإنما صرف إلى لفظ المضارع ولم يقل فأصبحت ليفيد بقاء أثر المطر زمان بعد زمان كما تقول (أنعم عليّ فلان فأروح وأغدوا شاكراً له) ولو قلت (فرحت وغدوت) لم يقع ذلك الموقع. وإنما رفع {فتصبح} ولم ينصب جواباً للاستفهام لأنه لو نصب لبطل الغرض، وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار كما تقول لصاحبك (ألم تراني أنعمت عليك فتشكر)، إن نصبته نفيت شكره وشكوت من تفريطه فيه، وإن رفعته أثبت شكره {إِنَّ الله لَطِيفٌ} واصل عمله أو فضله إلى كل شيء {خَبِيرٌ} بمصالح الخلق ومنافعهم أو اللطيف المختص بدقيق التدبير والخبير المحيط بكل قليل وكثير.


{لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} مُلكاً وملكاً {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني} المستغني بكمال قدرته بعد فناء ما في السماوات وما في الأَرض {الحميد} المحمود بنعمته قبل ثناء من في السماوات ومن في الأرض {الم * تَرَى أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض} من البهائم مذللة للركوب في البر {والفلك تَجْرِى فِى البحر بِأَمْرِهِ} أي ومن المراكب جارية في البحر، ونصب {الفلك} عطفاً على (ما) و{تجري} حال لها أي وسخر لكم الفلك في حال جريها {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} أي يحفظها من أن تقع {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأمره أو بمشيئته {إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ} بتسخير ما في الأرض {رَّحِيمٌ} بإمساك السماء لئلا تقع على الأرض، عدد آلائه مقرونة بأسمائه ليشكروه على آلائه ويذكروه بأسمائه. وعن أبي حنيفة رحمه الله أن اسم الله الأعظم في الآيات الثمانية يستجاب لقرائتها ألبتة.
{وَهُوَ الذى أَحْيَاكُمْ} في أرحام أمهاتكم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} لإيصال جزائكم {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم ودفع عنه من صنوف النقم، أو لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الإفناء المقرب إلى الموعود ولا الإحياء الموصل إلى المقصود {لِكُلّ أُمَّةٍ} أهل دين {جَعَلْنَا مَنسَكًا} مر بيانه وهو رد لقول من يقول إن الذبح ليس بشريعة الله إذ هو شريعة كل أمة {هُمْ نَاسِكُوهُ} عاملون به {فَلاَ ينازعنك} فلا يجادلنك والمعنى فلا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك {فِى الأمر} أمر الذبائح أو الدين. نزلت حين قال المشركون للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعني الميتة {وادع} الناس {إلى رَبّكَ} إلى عبادة ربك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} طريق قويم. ولم يذكر الواو في {لِكُلّ أُمَّةٍ} بخلاف ما تقدم لأن تلك وقعت مع ما يناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وهذه وقعت مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10